تناول الأدوية النفسية للعلاج من الاضطرابات النفسية أمر في غاية الأهمية للأشخاص الذين يعانون من الاضطرابات النفسية، ويصفها طبيب متخصص. هناك بعض المبالغات من قِبل بعض الاشخاص في التهويل من خطورة الأدوية النفسية، وبذلك لا يحبذون تناول أي أدوية نفسية مهما كانت الحاجة لهذه الأدوية التي يصفها طبيب متخصص لاضطراب نفسي محدد. بل ان هناك من يحاول أن يروج سلبياً ضد استخدام الأدوية النفسية بحجة أن الأدوية النفسية هي عبارة عن مخدرات وليست أدوية مثلها مثل بقية الأدوية التي تستخدم في بقية الأمراض مثل مرض السكر والضغط، حيث أن أكثر الأمراض النفسية ليست مخدرة ولا يدمن عليها وأن نسبة بسيطة فقط هي الأدوية المخدرة أو الأدوية التي يدمن عليها. على العكس هناك أشخاص يتناولون أدوية أكثر مما يجب وأكثر مما تستدعيه حالتهم النفسية والعقلية.
للاسف هناك فئة من الأطباء النفسيين يصفون أدوية كثيرة لمرضى لا يحتاجون كل هذه الأدوية؛ يصفون أدوية في بعض الحالات تصل إلى عشرة أنواع أو أكثر لاضطراب لايحتاج لكل هذه الأدوية. هناك أسباب عديدة لوصف هذه الأدوية، منها ثقافة الطبيب التي تعتمد على وصف أكبر عدد ممكن للمريض بحيث يتناول المريض أدوية مضادة للقلق واخرى مضادة للاكتئاب واخرى مضادة للذهان. تجد المريض يأتي محملاً بهذه الأدوية التي وصفها له أحد الأطباء ببساطة لأن ثقافة الطبيب العلاجية تعتمد على ما يسمى “الصيدلية المتعددة” (Poly Pharmacy). يأتي المريض وهو يتناول ثلاثة أدوية مثلاً مضادة للقلق ومثلها مضادة للاكتئاب وأربعة أو خمسة أنواع من الأدوية المضادة للذهان. ليس هناك تبرير علمي وطبي لتناول مثل هذه الأدوية ولكن الطبيب يعتقد بأن المريض إذا لم يستفد من الأدوية المضادة للقلق فقد يستفد من الأدوية المضادة للاكتئاب أو الأدوية المضادة للذهان. هذه الثقافة للاسف موجودة عند بعض الأطباء الذين يأتون من ثقافة تعتمد على هذا الأسلوب الذي يحمل المريض أعباء جسدية من الأعراض الجانيبة لتناول أدوية ليس من المفترض أن يتناولها المريض، اضافة إلى المبالغ المادية الكبيرة التي يدفعها المريض لشراء أدوية ليس في حاجة لها.
يحتار المريض من كثرتها
بعض الأطباء الذين يعملون في عيادات خاصة أيضاً يصفون أدوية كثيرة من نفس المجموعة للمرضى، خاصة الأدوية الباهضة الثمن، لأن ذلك قد يساعده على كسب شركات الأدوية التي تشجع بعض الأطباء النفسيين على وصف أدوية باهضة الثمن وتعطي مقابلا لوصف هذه الأدوية الباهضة الثمن. لا أريد أن أشكك في سلوكيات بعض الأطباء من جميع التخصصات ولكن هناك أصحاب مستشفيات خاصة ومستوصفات خاصة يفرضون على الأطباء وصف هذه الأدوية باهضة الثمن للمرضى للمكاسب الخاصة دون مراعاة أخلاقيات وصف الأدوية للمرضى. وهناك بعض اصحاب المستشفيات الخاصة مثلاً يقومون بعلاج المرضى – أياً كان الاضطراب النفسي أو العقلي الذي يعانون منه – بالجلسات الكهربائية ويعرضون مرضاهم لخطر هم في حاجة للبعد عنه، مثل التخدير الكامل للعلاج بالجلسات الكهربائية، إضافة إلى الأعراض الجانبية من جراء تعريض الشخص لطريقة علاج غير مطلوبة وغير بسيطة.
أكثر ما نرى هذه الطريقة في العلاج بأدوية كثيرة، مبالغ بها، هي مع المرضى الذين يتعالجون في بعض الدول العربية القريبة والشقيقة، حيث يقوم الأطباء بإعطاء المريض أدوية كثيرة ليس المريض بحاجة لها، ولكن هناك سبب لا نعرفه يجعل الأطباء النفسيين في بعض الدول العربية الشقيقة يعالجون المرضى بهذه الطريقة. كثيراً ما يأتينا مرضى من بعض هذه الدول وهم على أدوية نفسية كثيرة ليسوا بحاجة لكل هذه الأدوية. وتستغرب التشخيص الذي وضعه الطبيب المعالج وإعطاء أدوية متعددة تشمل جميع الأمراض النفسية والعقلية!
ثمة أطباء ليسوا أطباء نفسيين، فبعض هؤلاء الأطباء يكون طبيباً مشهوراً في تخصص طب الأعصاب أو جراحة المخ والأعصاب، ولكنهم مع ذلك يعاينون مرضى نفسيين ويصفون أدوية نفسية بشكل مبالغ فيه. لقد كان أحد الأطباء المشهورين في جراحة المخ والأعصاب في احدى الدول العربية ومع ذلك يعاين مرضى نفسيين ويصف أدوية تزيد على عشرة أدوية، وقد تكرر هذا الأمر مع عدة مرضى، وعندما سألت أحد المرضى الذي ذهب ليتعالج عند ذلك الطبيب المتخصص والمشهور في مجال تخصصه في جراحة المخ والأعصاب: ما هو تخصص هذا الطبيب الذي صرف لك هذه الأدوية؟، أجاب بأنه طبيب معروف ومشهور في بلده، وعميد لكلية طب من أشهر كليات الطب في بلده. عندما سألته هل يعرف تخصص هذا الطبيب؟ أجاب بأنه طبيب مخ وأعصاب. لا شك في أن اختلاط الأمر على المرضى وأهلهم بين التفريق بين الطبيب النفسي وطبيب الأعصاب وطبيب جراحة المخ والأعصاب، هذا الخلط يقود إلى أن يذهب مرضى نفسيون، يعانون من أمراض نفسية إلى شخص غير متخصص في الطب النفسي، وهذا يقود بالتالي إلى خطأ في التشخيص وكذلك يقود هذا إلى وصف أدوية كثيرة لا تفيد المريض، بل قد تسبب له الكثير من الأعراض الجانبية. تناول أدوية مضادة للقلق من المهدئات الصغرى قد يقود إلى التعود والاعتماد على هذه الأدوية التي قد يرتاح لها المريض بحكم أنها أدوية مهدئة تريح الأعصاب لكن خطورتها تكمن في الاعتماد عليها وعدم القدرة على الاستغناء عنها في المستقبل. الأدوية المضادة للاكتئاب، بحكم تعدد المجموعات التي تضمها هذه النوعية من الأدوية فتختلف كل مجموعة عن الاخرى. لكن الأدوية المضادة للاكتئاب قد تؤدي إلى زيادة الوزن من بعض مضادات الاكتئاب وقد تقود إلى الضعف الجنسي وأحياناً الخدر والنعاس أثناء اليوم، كذلك بعض الأعراض الجانبية لبعض الأدوية المضادة للاكتئاب هو جفاف الحلق وصعوبة التبول والتأثير على الجهاز الهضمي.